نعيم الجنة

الجنة وتوصيفها ومراحل يمر بها الانسان والأمثلة التي ضربها الله تعالى في القرآن (مثل الجنة) والعقل البشري لا يستوعب كمّ النعيم الذي جعله الله تعالى لعباده المؤمنين في الجنة. في سورة آل عمران آية 185 (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)) ماذا تعني مسألة الزحزحة عن النار وهل الانسان مكانه في النار ابتداء ثم يزحزح عنه مسافة بسيطة ليصل إلى الفوز العظيم؟

هذه الكلمة هي حجر الزاوية في الآية (زحزح) مبني لمن لم يُسمّى فاعله ليس أنا الذي سأزحزح نفسي وأُدخلها الجنة وهذا الأمر يعيدنا الى ما يطرحه البعض عن التعارض بين الحديث "لا يدخل أحدكم الجنة بعمله" وبين الحديث "وقل اعملوا فلن أغني عنكم من الله شيئاً" لو وكلت عملي إلى نفسي لن أدخل الجنة لأنني أكون قد ضيّعت نفسي لكن لو وكلت عملي إلى الله تعالى وإلى سؤال الله تعالى أن يهديني اللا الصراط المستقيم تكون قد دخلت بتوفيق الله تعالى الى أن تعمل ما عملت أما الدرجات والترقّي داخل الجنة فهو بعملي في الحديث عن قارئ القرآن يقال له اقرأ ورتّل وارتق فإن منزلتك عند آخر آية قرأتها. علينا أن نسأل الله تعالى أو يوفقنا الى أي عمل ولهذا نقول في سورة الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم.

هناك أمر يسبب الرعب للكثيرين من الحديث القدسي بما معناه أن الله تعالى مسح على ظهر آدم u قبض قبة من ذريته وقال قبضة في الجنة ولا أبالي وقبضة في النار ولا أبالي فكيف نطمئن الناس؟

قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت) هل يستطيع مخلوق أن يُنكر أن كل نفس فعلاً ذائقة الموت؟ هذه حقيقة نحن حكمنا بها وحسمناها حتى من الكافرين والمشركين ولذلك يجب علينا أن نقف عندها وعلينا أن نتأمل هذه الآية العجيبة التي تثبت قدرة الله تعالى (وإنما توفون أجوركم) البعض يتصور أن الله تعالى يعاقب الناس بموت أحدهم. الدنيا ليست بدار عقاب وى دار جزاء إنما الجنة هي دار جزاء بعد يوم الجزاء أي يوم الحساب (مالك يوم الدين) الدنيا دار ابتلاء واختبار حتى يعيد الانسان حساباته وينظر أين قصّر. (إنما توفون أجوركم) في الدنيا تأخذ أجراً ليس كاملاً وإنما تأخذ بعض الأجر والتوفية وتنفيذ الحساب يوم القيامة وقوله تعالى (توفون) دليل على أن الله تعالى هو الموفّي كما في الحديث الشريف "ما بيد الله لا يعلمه إلا الله "

(أجوركم) هناك ضمير لك. أصل عملك النار بدليل (فمن زحزح عن النار) الزحزحة جاءت من جاذبية المعصية للإنسان فيزينها الشيطان والنفس ولولا فضل الله تعالى ورحمته ما زحزح المسلم العامل إلى الجنة. وقوله تعالى (وأُدخل الجنة) فعل مبني أيضاً لما لم يسمى فاعله (توفّون، زُحزح، أُدخل) في كلمة توفّون فيها جزئية عمل منك والزحزحة على قدر العمل وهي بفضل الله تعالى عليك وهناك فرق بين الناس المسلمين أو اليهودي الذي أسلم أو القائمين في الليل (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) جعلوا الحق في مالهم. أنت تعمل لكن لولا فضل الله عليك ما أسلمت وما عملت (الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة) ابتعد عن المعاصي في الدنيا حتى تكون الزحزحة أسهل.

توصيف سورة الواقعة تحل هذه المشكلة هناك ثلاثة أوصاف للأزواج الثلاثة السابقون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال بمعنى أن ليس الكل مثل بعضه صحيح أن المؤمنون في الجنة لكنهم لا يتساوون في الدرجات فكما في النار دركات (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) كذلك الجنة لها درجات.

وختام الآية (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) الغَرور هو الشيطان وعلينا أن نعمل (يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم) استخدم (ما) ولم يقل من غرّك بربك الكريم التي تعني الشيطان. الشيطان وسوس وهناك من سمع له ومن لم يسمع له هناك أناس يذهبون للمسجد وغيرهم لم يذهب. ما غرّك؟ تعني هل استمعت إلى الشيطان أم لم تستمع له؟ هو الغَرور يوسوس لك وهذه الآية تبين أنها ليست للشيطان وإنما للنفس التي قد تستوعب وتسمع للشيطان ونفس لا تسمع ولا تبرر المعصية. وعندما ضرب الله تعالى المثل في أول معصية (آدم u) أباح الله تعالى له أن يأكل من كل الشجر إلا شجرة واحدة والنهي لم يكن عن شجرة محرّمة وقبل أن أبحث عن سبب تحريم الله تعالى لأي شيء أقول سمعاً وطاعة لأنه أمر من أوامر الله تعالى ولو أن الله تعالى قال لآدم كل من شجرة واترك الألف لكان الأمر أصعب لكنه تعالى رحمن قال كل من كل الشجر إلا شجرة واحدة فوسوس الشيطان.

الشهداء ليسوا الذين ماتوا في الحرب فقط أولهم العلماء الذي يقرأون ويعملون (لتكونوا شهداء على الناس) الشهيد هو الذي بذل نفسه في الحرب لله تعالى وكذلك من يقطع نفسه على القرآن ويتعلم كيف قصّرت الأمم السابقة من قبل يشهد يوم القيامة فهو شهيد. علينا أن نقف في القرآن على كل قصة وأفكر كيف تمّت يعقوب u عرف تأويل الحديث فقال ليوسف (لا تقصص) فيؤكد الله تعالى (إن الشيطان للانسان عدو مبين) الشيطان لن يترك ابن آدم ولا ذريته علينا أن نستوعب هذا الدرس (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) وبدل أن نبحث عن متاع الغرور نبحث عن متاع الخلود ولذلك الدنيا ممر والآخرة مقر فخذوا من ممركم لمقركم (ولا تنس نصيبك من الدنيا).

علينا أن نسأل أنفسنا إن كنا من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة واختبار هذا بسيط فإذا فرحنا عندما يأتينا سائل نكون من أهل الآخرة ونقول الحمد لله الذي أرسل لي من يحمل حسناتي إلى الآخرة أما إن كنا نتضايق من السائل فنكون من أهل الدنيا. وقيل إذا أردت أن تعرف مقامك في الآخرة فانظر إلى مقامك في الدنيا. وعلينا أن نسأل أنفسنا أين نكون عند الأذان وفي هذا علينا أن نتنافس (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) فالتنافس يكون في الدرجات في الآخرة.